الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
أخذ الكرخي من هذه الأخبار أنه لا يجب العمل بخبر الواحد في الحدود لما أنه لا يفيد العلم إلا بقرينة وذلك شبهة وألزم بأن ذلك موجود في شهادة الواحد. - (قط هق عن علي) وضعفه البيهقي. وقال السخاوي: فيه المختار بن نافع قال البخاري منكر الحديث انتهى، نعم هو حسن بشواهده وعليه يحمل رمز المؤلف لحسنه. 316 - (ادعوا) بهمزة وصل مضمومة (الله) المنفرد بالإعطاء والمنع والضر والنفع فذكره هنا أنسب من ذكر الرب أي اسألوه من فضله من الدعاء وهو استدعاء العبد ربه العناية واستمداده منه المعونة وحقيقته إظهار الإفتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية وبه رد على من كره الدعاء من الصوفية وقال الأولى السكوت والرضا والجمود تحت جريان الحكم والقضاء وهذا الحديث نص في رده والذي عليه جمهور الطوائف أن الدعاء أفضل مطلقاً لكن بشرط رعاية الأدب والجد في الطلب والعزم في المسألة والجزم بالإجابة كما أشار إليه بقوله (وأنتم موقنون) جازمون (بالإجابة) بأن تكونوا على حال تستحقون فيه الإجابة بخلوص النية وحضور الجنان وفعل الطاعات بالأركان وتجنب المحظور والبهتان وتفريغ السر عما سوى الرحمن، أما سمعته يقول قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والإشنغال بتحريات النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به فكأنه قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري، ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان. - (ت) في الدعوات واستغربه عن أبي هريرة قال في الأذكار: وإسناده فيه ضعف (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي هريرة) قال الحاكم مستقيم الإسناد تفرد به صالح المزي أحد زهاد البصرة انتهى ورده الذهبي فقال صالح متروك تركه (س) هذا رمز الذهبي ومراده به النسائي وعبارة المتولي قال المنذري: تركه أبو داود والنسائي انتهى فما في النسخ هن نقط السين خطأ ينشأ من توهم أن رمز الذهبي كرمز المؤلف وغيره له هنا قال (خ) منكر الحديث. وقال أحمد: صاحب قصص لا يعرف الحديث وجرى على منواله الحافظ العراقي ثم تلميذه الحافظ ابن حجر فقالا: صالح وإن كان صالحاً ضعيف في الحديث ومن ثم تركه جمع فمن زعم حسنه فضلاً عن صحته فقد جازف. 317 - (ادفعوا الحدود عن عباد الله) أضافهم إليه تذكيراً بأن الدفع عنهم من تعظيم مالكهم (ما وجدتم له) أي للحد الذي هو واحد الحدود أو للدفع المفهوم من ادفعوا أي لا تقيموها مدة دوام وجودكم لها (مدفعاً) كمصرع أي تأويلاً يدفعها لأن الله تعالى كريم عفو يحب العفو والسر - (ه) من حديث إسحاق بن إسرائيل عن وكيع عن إبراهيم بن الفضل عن المقبري (عن أبي هريرة) قال ابن حجر في تخريج المختصر: إبراهيم مدني ضعيف وقد خرجه ابن عدي فعده من منكراته وقال: هذا رجل اتهمه سفيان الثوري انتهى وبه يعرف سقوط رمز المصنّف رحمه الله تعالى لحسنه إلا أن يراد أن ما مر يعضده. 318 - (ادفنوا) أيها المسلمون (موتاكم) المسلمين (وسط) بفتح السين وسكونها وهو أفصح (قوم صالحين) جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته والوسط بمعنى المتوسط بين جماعة من الأموات. لكن ليس المراد هنا حقيقة التوسيط وهو جعل الشيء في الوسط بل الدفن بقرب قبر صالح أو بمقبرة الصلحاء ولو في طرفها فيكره الدفن بقرب قبر مبتدع أو فاسق والأفضل بأفضل مقبرة البلد ويحرم دفن مسلم في مقبرة كفار وعكسه كما أشار إليه بقوله (فإن الميت يتأذى) يتضرر (بجار السوء) بالفتح والإضافة أي بسبب جوار جار السوء الميت وتختلف مراتب الضرر بإختلاف أحوال المتضرر منه لنحو شدة تعذيب أو نتن ريح أو ظلمة أو غير ذلك فليس المراد بالتأذي مدلوله اللغوي [ص 230] وهو الضرر بقيد كونه يسيراً فحسب إذ في القاموس الأذى السوء اليسير (كما يتأذى الحي بجار السوء) الحي وفي رواية قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة قال: هل ينفع في الدنيا قالوا: نعم قال: كذلك ينفع في الآخرة. قال السخاوي: وما روي أن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً إنما يقدس المرء عمله قد لا ينافيه قال عبد الحق في العاقبة: فيندب لولي الميت أن يقصد به قبور الصالحين ومدافن أهل الخير فيدفنه معهم وينزله بإزائهم ويسكنه في جوارهم تبركاً وتوسلاً بهم وأن يجتنب به قبور من يخاف التأذي بمجاورته والتألم بمشاهدة حاله كما جاء في أثر أن امرأة دفنت بقبر فأتت أهلها في النوم فجعلت تعتبهم وتقول ما وجدتم أن تدفنوني إلا إلى فرن الخبز فلما أصبحوا لم يجدوا بقرب القبر فرن خبز لكن وجدوا رجلاً سيافاً لابن عامر دفن بقربها. ورأى بعضهم ولده بعد موته فقال: ما فعل الله بك قال: ما ضرني إلا أني دفنت بإزاء فلان وكان فاسقاً فروعني ما يعذب به من أنواع العذاب، ولو تعارض شرف البقعة وسوء حال المقبورين فاحتمالان رجح بعضهم تقديم الدفن بجوار الصلحاء على الدفن بالبقعة المقدسة، وفيه حث على العمل الصالح والبعد عن أهل الشر والزجر عن فعله والنهي عن أذى الجار - (حل) من حديث محمد بن عمران بن الجنيد عن شعيب بن محمد الهمداني عن سلمان بن عيسى عن نافع عن عمه نافع بن مالك عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث مالك وأقول سليمان ابن عيسى قال في اللسان هالك وقال أبو حاتم كذاب وابن عدي وضاع ومن ثم أورد الجوزقاني الحديث في الموضوعات وكذا ابن الحوزي وتعقبه المؤلف وغاية ما أتى به أن شاهداً حاله كحاله. 319 - (ادفنوا القتلى) بفتح فسكون أي قتلى أحد والحكم عام (في مصارعهم) وفي رواية في مضاجعهم أي في الأماكن التي قتلوا فيها، والصريع من الأغصان ما تهدل وسقط إلى الأرض ومنه قيل للقتيل صريع وهذا قاله لما نقلوا بعضهم ليدفنوه بالبقيع مقبرة المدينة ولا يصح تعليله لكونه محل الشهادة والأرض تشهد لمن قتل فيها لأن الشهادة لا تتوقف منها على الدفن ولعله لبقاء دمائهم ودفنها معهم قال في المطامح والصحيح أن ذلك كان قبل دفنهم وحينئذ فالأمر للندب. - (4 عن جابر) قال الترمذي رحمه الله حسن صحيح ولهذا رمز المؤلف رحمه الله تعالى لصحته. 320 - (أدمان) تثنية أدم بضم الهمزة والدال المهملة وتسكن جمع إدام وقيل هو بالسكون المفرد وبالضم الجمع أي لبن وعسل (في إناء) واحد (لا آكله ولا أحرمه) صريح في حله خلافاً لمن وهم لأنه من الطيبات المأذون في تناولها وإنما لم يأكله لأنه كان يكره التلذذ والتبسط بنعيم الدنيا ويحب التقلل منه تركاً للتعمق في التنعم ورفضاً لفضول الدنيا كما ورد في عدة أخبار، وبين مراده به في خبر عائشة رضي الله عنها وغيره، وأكله من برمة فيها سمن وعسل لبيان الجواز أو للإيناس أو جبراً لخاطر من قدمه أو لكونه المتيسر في ذلك الوقت أو للتعديل كالجمع بين حار وبارد أو رطب ويابس أو غير ذلك من المقاصد التي لا تنافي الزهد .
|